اهتم الإمام الباقر عليه السلام بتشخيص هوية الجماعة الصالحة، وتمييزها عن غيرها من الهويات التي ترافق سائر الوجودات والكيانات والتيارات القائمة في الواقع.

وقد كان للجماعة الصالحة وجود مميّز من حيث الاسم والصفات ومن حيث الولاء والاقتداء، ومن حيث التقييم والدرجة والمرتبة من بين الدرجات والمراتب، فهي تنتمي إلى الإسلام أولاً والى منهج أهل البيت ثانياً. وتشخيص الهوية له آثار ايجابية على تجذر الانتماء وإدامته، وله آثار عملية على الأفكار والعواطف والممارسات السلوكية، حيث إنها تتبع الانتماء، وتتحرك على ضوء الأهداف المحدّدة للهوية المشخصة، ومن هذه الآثار:

١ ـ الشعور بالانتماء وهو أمر فطري يدفع الإنسان للاعتزاز بانتمائه، لأنه يشعر بأن شخصيته ووجوده يحددها الانتماء والهوية الظاهرة.

٢ ـ إن لتشخيص الهوية دوراً كبيراً من وحدة الأهداف ووحدة البرامج، ووحدة المصير، ووحدة المصالح، ولهذه الوحدة دور أساسي في تحريك المنتمين إلى العمل الجاد والحركة الدؤوبة لتحقيق الأهداف المنشودة والتضحية من أجلها.

ــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار : ٥١ / ١٤٠.

(٢) حلية الأولياء : ٣ / ١٨٤ .


٣ ـ إن لتشخيص الهوية دوراً كبيراً في تعميق علاقات الإخوة داخل الجماعة الصالحة، ودفعها نحو التآزر والتكاتف والتعاون من أجل رفع مستواها الفكري والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، كما يمنحها القوة والمنعة والعزّة.

٤ ـ إنّ تشخيص الهوية والشعور بالانتماء الموحد يدفع الحركة باتّجاه توسيع قاعدتها الشعبية على أساس تقوية مظاهر الهوية في الواقع الموضوعي ويدفعها نحو التنافس المشروع مع الوجودات القائمة لربط بقية أفراد الأمة بالمفاهيم والقيم الصالحة، وتجسيدها في الواقع.محاور الانتماء في الجماعة الصالحة

الإسلام هو المحور الأساسي للانتماء عند الجماعة الصالحة، وهو المحرك الأول للعمل والحركة وللسلوك وللعلاقات، والمصلحة الإسلامية العليا هي الحاكمة على جميع المصالح.والإسلام هو الانتماء الأساسي الذي يدفع بالمنتمين إليه نحو التعالي على الأواصر الضيّقة والروابط الثانوية، ويوجّه الأنظار والمواقف إلى الهدف المشترك والى الأفق الأرحب الذي تنضوي تحته جميع الانتماءات، لتكون العلاقات في ظله قائمة على أساس التكافل والتراحم والتناصح، والأمانة والعدل والسماحة والمودة والإحسان، وهذه العلاقات تتطلب التحرر من ضغط القيم والأوضاع المحدودة، والمصالح والمطامع الذاتية العارضة .


والإسلام هو الانتماء الأرحب الذي يضم جميع من نطق بالشهادتين، فهو في رأي الإمام الباقر عليه السلام :(... والإسلام ما عليه التناكح والتوارث وحقنت به الدماء) (١) .

وعلى ذلك فإن الجماعة الصالحة هي جزء من المجتمع الإسلامي الكبير بمختلف تياراته ومذاهبه الفكرية والسياسية، ومسؤولة عن الحفاظ على هذا الوجود من التصدّع.

والفكر المشترك أو العقيدة المشتركة بين الجماعة الصالحة وسائر الجماعات القائمة هي: الإيمان بالله ورسله وكتبه، والإيمان برسالة خاتم الأنبياء صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم ، والإيمان بيوم القيامة.

والانتماء إلى منهج أهل البيت عليهم السلام هو الهوية المشخصة للجماعة الصالحة لتمييزها عن غيرها من الجماعات التي تنتمي إلى مناهج أُخرى.

والانتماء إلى أهل البيت عليهم السلام يعني الولاء لهم بجميع مراتبه ومصاديقه المتمثّلة في حبّهم ونصرتهم، والاستسلام لأوامرهم ونواهيهم التي هي أوامر الله ورسوله للإنسان المسلم على مدى الحياة وفي جميع مجالاة الحياة; بحيث تكون العقول والقلوب والأفعال منسجمة مع منهجهم العقائدي والسياسي في آن واحد، لأنهم الامتداد الحقيقي للرسالة الإسلامية وهم القيّمون على المنهج الإلهي الذي أرسى دعائمه رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم في حديث الثقلين وغيره من النصوص النبويّة الشريفة. ومن هنا قال الإمام الباقر عليه السلام :(نحن أهل بيت الرحمة وشجرة النبوة ومعدن الحكمة، ومختلف الملائكة ومهبط الوحي) (٢) .

وهذا الانتماء يجعل جميع أفراد الجماعة الصالحة مكلفين بأداء دور القدوة إزاء الانتماء الرحب وهو الإسلام، فينبغي أن يكونوا قدوة لغيرهم، وقد وصفهم الإمام عليه السلام في أحاديث متقدمة بمواصفات خاصة ومنها: طاعة الله، والتقوى، وأداء الواجبات واجتناب المحرمات، وحسن الخلق، وحسن السيرة، وأكّد على أن هذا الانتماء لا يتحقق إلاّ بالتقوى والورع والعمل الصالح.

ــــــــــــــ

(١) تحف العقول: ٢١٧ ـ ٢١٨.

(٢) الإرشاد: ٢٦٦ .