والتقى الإمام أبو جعفر عليه السلام في الشام مع قسيس من كبار علماء النصارى جرت بينهما مناظرة اعترف القسيس فيها بعجزه، وعدم استطاعته على محاججة الإمام ومناظرته.

قال أبو بصير: قال أبو جعفر عليه السلام :مررت بالشام، وأنا متوجه إلى بعض خلفاء بني أمية فإذا قوم يمرون، قلت: أين تريدون؟ قالوا: إلى عالم لم نر مثله، يخبرنا بمصلحة شأننا ، قال عليه السلام :فتبعتهم حتى دخلوا بهواً عظيماً فيه خلق كثير، فلم ألبث أن خرج شيخ كبير متوكئ على رجلين، قد سقطت حاجباه على عينيه، وقد شدهما فلما استقرّ به المجلس نظر إليَّ وقال: منا أنت أم من الأمة المرحومة؟

قلت: من الأمة المرحومة. فقال: أمن علمائها أو من جهّالها؟

قلت: لست من جهّالها فقال: أنتم الذين تزعمون أنكم تذهبون إلى الجنة فتأكلون وتشربون ولا تُحْدِثون؟!!

قلت: نعم. فقال: هات على هذا برهاناً.

فقلت: نعم، الجنين يأكل في بطن أمه من طعامها، ويشرب من شرابها، ولا يُحْدِث. فقال: ألست زعمت أنك ليست من علمائها؟

قلت: لست من جهّالها. فقال: أخبرني عن ساعة ليست من النهار، ولا من الليل.

فقلت: هذه ساعة من طلوع الشمس، لا نعدها من ليلنا، ولا من نهارنا وفيها تفيق المرضى .

وبهر القسيس، وراح يقول للإمام: ألست زعمت أنك لست من علمائها؟!

فقلت: إنما قلت: لست من جهّالها. فقال: والله لأسألنك عن مسألة ترتطم فيها.

فقلت: هات ما عندك. فقال: أخبرني عن رجلين ولدا في ساعدة واحدة، وماتا في ساعة واحدة؟ عاش أحدهما مائة وخمسين سنة، وعاش الآخر خمسين سنة؟

ــــــــــــــ

(١) دلائل الإمامة: ١٠٤ ـ ١٠٦.


فقلت: ذاك عزير وعزرة، ولدا في يوم واحد، ولما بلغا مبلغ الرجال مرّ عزير على حماره بقرية وهي خاوية على عروشها، فقال: أنّى يحيي الله هذه بعد موتها، وكان الله قد اصطفاه وهداه، فلمّا قال ذلك غضب الله عليه وأماته مائة عام ثم بعثه، فقيل له: كم لبثت؟ قال: يوماً أو بعض يوم. وعاش الآخر مائة وخمسين عاماً، وقبضه الله وأخاه في يوم واحد.

وصاح القسيس بأصحابه، والله لا أكلمكم، ولا ترون لي وجهاً اثني عشر شهراً (١) ، حيث توهم أنهم تعمّدوا إدخال الإمام أبي جعفر عليه السلام عليه لإفحامه وفضحه، فنهض الإمام أبو جعفر عليه السلام وأخذت أندية الشام تتحدث عن وفور فضله، وعن قدراته العلمية.

ــــــــــــــ

(١) الدر النظيم: ١٩٠، دلائل الإمامة: ١٠٦.