استشفّ الإمام الحسين عليه السلام - وهو الخبير الضليع بكلّ ما كان يمرّ في معترك الساحة السياسية والمتغيّرات الاجتماعية التي كانت تتفاعل في الأمة - نوايا الغدر والحقد الأموي على الإسلام وأهل البيت عليهم السلام وتجارب السنين الأولى من الدعوة الإسلامية، ثم ما كان لمعاوية من مواقف مع الإمام علي عليه السلام ومن بعده مع الإمام الحسن عليه السلام .

وأيقن الحسين عليه السلام أنّهم لا يكفّون عنه وعن الفتك به حتى لو سالمهم، فقد كان يمثّل بقية النبوّة والشخصية الرسالية التي تدفع الحركة الإسلامية في نهجها الحقيقي وطريقها الصحيح.

ولم يستطع يزيد أن يخفي نزعة الشرّ في نفسه، فقد روي أنّه صرّح قائلاً في وقاحة:

لستُ من خندف إن لم انتقم

من بني أحمد ما كان فعلْ

وقد أعلن الإمام الحسين عليه السلام أنّ بني أُمية لا يتركونه بحال من الأحوال فقد صرّح لأخيه محمد بن الحنفية قائلاً: (لو دخلت في جُحْر هامّة من هذه الهوامّ لاستخرجوني حتى يقتلوني).

وقال عليه السلام لجعفر بن سليمان الضبعي: (والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة - يعني قلبه الشريف - من جوفي).


فتحرّك الإمام عليه السلام من مكة مبكّراً ليقوم بالثورة قبل أن تتمكّن يد الغدر من قتله وتصفيته، وهو بعد لم يتمكّن من أداء دوره المفروض له في الأمة آنذاك، وسعى لتفويت أيّة فرصة يمكن أن يستغلّها الأمويون للغدر به، والظهور بمظهر المدافع عن أهل بيت النبوّة.