بخُلق الرسالة وآداب النبوة وبالفضائل السامية أطلّ الإمام الحسين عليه السلام على مرحلة الرجولة في العقد الثالث من العمر، يعيش أجواء أبيه المحتسب وهو يرى اللعبة السياسية تتلوّن والهدف واحد، وهو أن لا يصل عليّ عليه السلام وبنوه إلى زعامة الدولة الإسلامية بل تبقى الخلافة بعيدة عنهم، فهاهو ابن الخطّاب لا يكتفي بحمل الأمة على ما لا تطيق من جفاء رأيه وطبعه وأخطاء اجتهاداته; حتّى ابتلاها بالشورى السداسيّة التي انبثقت منها خلافة عثمان.

____________________

(1) الإصابة: 1 / 332.

(2) المصدر السابق.


ولقد وصف الإمام أمير المؤمنين عليه السلام هذه المرحلة وهو الذي آثر مصلحة الدين والأمة على حقّه الخاص في الزعامة فصبر صبراً مُرّاً حتّى قال: فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجا، أرى تراثي نهباً، حتى مضى الأوّل لسبيله، فأدلى بها إلى ابن الخطّاب بعده، فصيّرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها ويخشن مسّها، ويكثر العثار فيها، فصبرت على طول المدّة وشدّة المحنة، حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أنّي أحدهم، فيالله وللشورى، متى اعترض الريب فيّ مع الأوّل منهم حتى صرت أُقرن إلى هذه النظائر؟!(1) .

وازدادت محنة أهل البيت عليهم السلام وتضاعفت مهمّتهم صعوبةً، وهم يواجهون عصراً جديداً من الانحراف بالخلافة، وهو عصر يتطلّب جهوداً أضخم وسعياً أكبر لكي لا تضيع الأمة والرسالة، ولكنّ لوناً متميزاً من المعاناة القاسية بدأ واضحاً يصبغ حياة الأمة الإسلامية، فإنّ خيار رجالها من صحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يهانون ويضربون وينفون في الوقت الذي تتسابق على مراكز الدولة شرارها من الطلقاء وأبنائهم، تحت ظلّ ضعف عثمان وجهله بالأمور أحياناً وعصبيّته القبليّة الأُموية أحياناً أخرى(2) .

وعاش الحسين عليه السلام معاناة الأمة وهي تنتفض على فساد حكم عثمان في مخاض عسير، فتمتدّ الأيادي المظلومة لتزيح الخليفة الحاكم بقوّة السيف.

وفي خطبة الإمام علي عليه السلام المعروفة بالشقشقيّة والتي وصف فيها محنة الأمة بتولّي الخلفاء الثلاثة دفّة الحكم قبله تصوير دقيق لما جرى في حكم عثمان بن عفّان; إذ قال عليه السلام :

____________________

(1) نهج البلاغة: الخطبة الشقشقية.

(2) تاريخ الخلفاء: 57.


إلى أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه(1) بين نثيله(2) ، ومعتلفه(3) ، وقام معه بنو أبيه يخضمون(4) مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع(5) ، إلى أن انتكث عليه فتله(6) ، وأجهز(7) عليه عمله، وكبت(8) به بطنته(9) .