كان لوفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وقع مؤلم في روح الإمام الحسين الطاهرة، وهو لم يكن بعد قد أنهى ربيعه الثامن.

وما هي إلاّ مدّة قصيرة وإذا بالحسين عليه السلام يُفجع باستشهاد أمه فاطمة بنت رسول الله بتلك الصورة المأساوية بعد أن ظلّت تعاني من الظلم والقهر وألم اغتصاب حقّها طوال الأيام التي عاشتها بعد أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله فكانت تنعكس معاناتها في روحه اللطيفة؛ إذ كان كلّما نظر إلى أمه بعد وفاة أبيها شاهدها باكيةً محزونة القلب منكسرة الخاطر.


وقد روي أنّها سلام الله عليها ما زالت بعد أبيها معصّبة الرأس، ناحلة الجسم، منهدّة الركن، باكية العين، محترقة القلب، يغشى عليها ساعة بعد ساعة، وتقول لولديها: أين أبوكما الذي كان يكرمكما ويحملكما مرّةً بعد مرّة؟ أين أبوكما الذي كان أشدّ الناس شفقةً عليكما، فلا يدعكما تمشيان على الأرض؟ ولا أراه يفتح هذا الباب أبداً ولا يحملكما على عاتقه كما لم يزل يفعل بكما(1) .

وروي أن الزهراءعليها‌السلام بعد وفاة أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت تصطحب الحسنين معها إلى البقيع حيث تظلّ تبكي إلى المساء، فيأتي أمير المؤمنين عليه السلام فيعود بهم إلى البيت.

ونقل الرواة عن أسماء بنت عميس قصّة استشهادها مفصّلاً، وقد جاء فيها أنّ الحسن والحسين عليهما‌ السلام دخلا البيت بُعَيد وفاة أمهما فقالا: يا أسماء! ما يُنيم أمنا في هذه الساعة؟! قالت: يا ابني رسول الله ليست أمكما نائمة، بل فارقت روحها الدنيا. فوقع عليها الحسن يقبّلها مرةً ويقول: يا أماه! كلّميني قبل أن تفارق روحي بدني. قالت: وأقبل الحسين يقبّل رجلها ويقول: يا أماه! أنا ابنك الحسين كلّميني قبل أن يتصدّع قلبي فأموت. قالت لهما أسماء: يا ابني رسول الله! انطلقا إلى أبيكما عليّ فأخبراه بموت أمكما، فخرجا حتى إذا كانا قرب المسجد رفعا أصواتهما بالبكاء، فابتدرهما جميع الصحابة، فقالوا: ما يبكيكما يا ابني رسول الله؟ لا أبكى الله أعينكما(2) .

وجاء في نصّ آخر أنّه بعد أن فرغ أمير المؤمنين عليه السلام من تغسيل الزهراءعليها‌السلام نادى: يا أم كلثوم! يا زينب! يا سكينة! يا فضّة! يا حسن! يا حسين! هلمّوا

____________________

(1) بحار الأنوار: 43 / 181.

(2) المصدر السابق: 186.


وتزوّدوا من أمكم، فهذا الفراق، واللقاء الجنّة. فأقبل الحسن والحسين عليهما‌ السلام وهما يناديان: وا حسرةً لا تنطفئ أبداً من فقد جدّنا محمد المصطفى وأمنا فاطمة الزهراء!

فقال أمير المؤمنين علىّ عليه السلام : إنّي أُشهدُ الله أنّها قد حنّت وأنّت ومدّت يديها وضمّتهما إلى صدرها مليّاً، وإذا بهاتف من السماء ينادي: يا أبا الحسن! ارفعهما فلقد أبكيا والله ملائكة السماوات(1) .

وذكرت أكثر الروايات أنّ الحسن والحسين عليهما‌ السلام حضرا مراسم الصلاة على جنازة أمهماعليها‌السلام وتولّى غسلها وتكفينها أمير المؤمنين عليه السلام ، وأخرجها من بيتها ومعه الحسن والحسين في الليل، وصلّوا عليها...(2) .

لقد فجع الحسين عليه السلام وخلال فترة قصيرة بحادثتين عظيمتين مؤلمتين: الأولى وفاة جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والثانية استشهاد والدته فاطمة بنت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بعدما جرى عليها من أنواع الجفاء والظلم.

وإذا أضفنا إلى ذلك مأساة غصب حقوق أبيه أمير المؤمنين عليه السلام ومأساة إبعاده عن المسرح السياسي ليصبح جليس بيته; تجلّت لنا شدّة المحن والمصائب التي أحاطت بالحسين عليه السلام وهو في صغر سنّه.

ولقد تعمّقت مصائب الإمام الحسين عليه السلام بسبب أنواع الحصار المفروض من قِبل خطّ الخلافة وقتذاك على أصحاب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الأوفياء لخطّه الرسالي وعلى علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام بشكل خاص، مثل منع الخمس وسائر الحقوق من الوصول إليه، كما تجلّى ذلك بوضوح في تأميم (فدك) والذي كان من أهدافه ممارسة ضغوط مالية أخرى على أهل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأبناء أمير المؤمنين عليهم السلام .

____________________

(1) بحار الأنوار: 43/179.

(2) المصدر السابق: 212.