بلغ محمد صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله‌ وسلم في قلب عبد المطلب مكانة لم يبلغها أحد من بنيه وأحفاده وهم سادات بطحاء مكة، فقد روي أن عبد المطلب كان يجلس في فناء الكعبة على بساط كان يُمد له وحوله وجوه قريش وساداتها وأولاده، فإذا وقعت عيناه على حفيده (محمد) صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله‌ وسلم أمر بأن يفرج له حتى يتقدم نحوه ثمّ يجلسه إلى جنبه على ذلك البساط الخاص به(٢) وهذه العناية من سيد قريش قد عزّزت من مكانة محمد صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله‌ وسلم في نفوس قريش إضافة إلى سمو أخلاقه منذ نعومة أظفاره.

ولقد أشار القرآن الكريم إلى فترة اليتم هذه التي اجتازها النبيّ صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله‌ وسلم تحت رعاية ربه بقوله تعالى:( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى )

ولم يمض من عمر النبي صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله‌ وسلم أكثر من ثمان سنوات حتى مُني بمحنة ثالثة وهي فقد جدّه العظيم (عبد المطلب)، وقد حزن محمد صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله‌ وسلم لموت جدّه حزناً لا يقل عن حزنه لموت أُمه حتى أنّه بكى بكاء شديداً وهو يتبع نعشه إلى

ــــــــــــ

(١) السيرة الحلبية: ١ / ١٠٥.

(٢) السيرة النبوية: ١ / ١٦٨.

مقرّه الأخير، ولم ينس ذكره أبداً; إذ كان يرعاه خير رعاية وكان عارفاً بنبوّته فقد روي أنّه قال ـ لمن أراد أن ينحي عنه محمّداً صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله‌ وسلم عندما كان طفلاً يدرج ـ : دع ابني فإنّ الملك قد أتاه(١) .