ساورت المخاوف معاوية من استقرار الإمام في الكوفة ومضيّه عليه السلام في خطّته لتوحيد الدولة وبناء الحضارة الإسلامية على منهج القرآن والسنّة النبويّة ، فسارع معاوية إلى الاستعانة بعمرو بن العاص لما يتمتّع به من حيلة وغدر ، وتوافق معه في العداء للإسلام وللإمام عليه السلام ، ولم يتردّد عمرو طويلاً أمام رسالة معاوية ، ولم يكن ليختار على طمعه في الدنيا شيئاً حتى لو كان دينه الذي يُدخله الجنّة(١) .

وما أن وصل عمرو إلى الشام حتى جعل يبكي ويولول كالنساء(٢) مبتدئاً خطّته في التضليل وخداع الجماهير ، وبعد مراوغة ومكايدة بين معاوية وعمرو تمّت المساومة على أن تكون حصّة عمرو ولاية مصر مقابل مواجهة الإمام عليه السلام ومحاربته ، وكتب معاوية كتاباً بذلك(٣) .

وشرعاً يخطّطان لمواجهة الإمام والوضع القائم ، فكان الاتّفاق على المضيّ

ــــــــــــ

(*) وقعت معركة صفّين في صفر من عام (٣٧) هـ ، وكانت المناوشات بين الطرفين بدأت في ذي الحجّة عام (٣٦) هـ .

(١) وقعة صفّين : ٣٤ ، والإمامة والسياسة : ١١٦ ، والكامل في التأريخ : ٣ / ٢٧٥ .

(٢) الكامل في التأريخ : ٣ / ٢٧٤ .

(٣) وقعة صفّين : ٤٠ ، والإمامة والسياسة : ١١٧ .


في هذا المسار العدائي المشوب بالظلم والغدر والبغي ، إذ لا سبيل للوصول إلى أهدافهم وغاياتهم إلاّ مواجهة الإمام عليه السلام وهو الوريث الشرعيّ للنبيّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم وحامل راية الحقّ والعدل، واصطدم الرجلان إذ كلاهما خذلا عثمان فكانت خطّتهم تتطلب التشبّث بقميص عثمان كشعار لتحريك مشاعر وعقول الجماهير غير الواعية ، فرفعاه على المنبر بعد أن قَدِم به عليهما النعمان بن بشير ، فكان الناس يضجّون بالبكاء حتى سرت فيهم روح الحقد والكراهية والعمى عن هدى الحقّ(١) .

ولتحريك جماهير الشام لمؤازرة معاوية وحشدهم للحرب اقترح عمرو أن يكون شرحبيل بن السمط الكندي المحرّك الأول ، لما عرف عنه من عبادة ووجاهة في قبائل الشام وكراهية لجرير مبعوث الإمام عليه السلام إلى معاوية ، كما أنّ شرحبيل ممّن لا يتقصّى الحقائق من مصادرها ، وتمّت مخادعة شرحبيل الذي انطلق مطالباً معاوية بالأخذ بثأر عثمان بن عفان ، ويتحرّك بنفسه لحشد الناس للحرب(٢) .