استمراراً في نشر الإسلام أرسل النبيّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم إلى اليمن خالد بن الوليد وجمعاً من الصحابة ليدعوا قبيلة (همدان) إلى الإسلام ، وظلّ خالد نحواً من ستة أشهر دون أن يحقّق نجاحاً ، فلم يتمكّن من إقناع همدان في اعتناق الإسلام ، فبعث إلى النبيّ يخبره بعدم إجابة القوم له وانصرافهم عنه ، عند ذاك بعث النبيّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم عليّ بن أبي طالب عليه السلام وطلب منه أن يُعيد خالداً إلى المدينة ويحلّ محلّه في مهمّته ، ويبقي معه من يشاء من المجموعة المرسلة مع خالد .

روي عن البراء بن عازب الّذي كان مع خالد وبقي في سريّة عليّ عليه السلام : كنت ممّن خرج مع خالد فأقمنا ستة أشهر ندعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوا ، ثمّ إنّ رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم بعث عليّاً عليه السلام وأمره أن يقفل خالداً ويكون مكانه ، فلمّا دنونا من القوم ؛ خرجوا إلينا وصلّى بنا عليّ عليه السلام ثمّ صفّنا صفاً واحداً ثمّ تقدّم بين أيدينا وقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم بإسلامهم ، فأسلمت همدان جميعاً وأرسل عليّ عليه السلام إلى رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم بالخبر السارّ ، فخرّ رسول الله ساجداً ثمّ رفع رأسه وقال : السلام على همدان(١) .

وروي : أنّ النبيّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم أرسل عليّاً في مهمّة ثانية إلى اليمن ليدعو (مذحج) إلى الإسلام ، وكان معه ثلاثمائة فارس ، وعقد رسول الله له اللواء وعمّمه بيده ، وأوصاه أن لا يقاتلهم إلاّ إذا قاتلوه ، فلمّا دخل إلى بلاد مذحج ؛ دعاهم إلى الإسلام فأبوا عليه ورموا المسلمين بالنبل والحجارة ، فأعدّ عليّ عليه السلام أصحابه للقتال ، وهجم عليهم فقتل منهم عشرين رجلاً فتفرّقوا وانهزموا فتركهم ، ثمّ دعاهم إلى الإسلام ثانية فأجابوه لذلك ، وبايعه عدد من رؤسائهم ، وقالوا : له نحن على من وراءنا من قومنا وهذه صدقاتنا فخذ منها حقّ الله .

ــــــــــــ

(١) أعيان الشيعة : ١ / ٤١٠ ، والكامل في التأريخ لابن الأثير : ٢ / ٣٠٠ ، والسيرة النبوية لابن كثير ك ٤ / ٢٠١ .


ثمّ إنّ عليّاً جمع الغنائم فأخرج منها الخمس وقسّم الباقي على أصحابه ، وبلغه خبر خروج النبيّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم إلى مكّة لأداء فريضة الحجّ ، فتعجّل عليه السلام السير ليلتحق بالنبيّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم في مكّة ، وروي أنّ بعض من كان في سريّة عليّ عليه السلام اشتكى من شدّته في إعطاء الحقّ ، فلمّا سمع النبيّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم ذلك قال :أيّها الناس ، لا تشتكوا عليّاً فو الله إنّه لأخشن في ذات الله من أن يشتكى منه (٢) .

وعن عمرو بن شاس الأسلمي أنّه قال : كنت مع عليّ عليه السلام في خيله التي بعثه بها رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم إلى اليمن ، فوجدت في نفسي عليه(٣) ، فلمّا قدمت المدينة شكوته في مجالس المدينة وعند من لقيته ، فأقبلت يوماً ورسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم جالس في المسجد ، فلمّا رآني أنظر إلى عينيه نظر إليَّ حتى جلست إليه ، فقال :إيه يا عمرو ، لقد آذيتني ، فقلت :إنّا لله وإنّا إليه راجعون أعوذ بالله والإسلام من أن أؤذي رسول الله ، فقال صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم :( من آذى عليّاً فقد آذاني ) (٤) .

ــــــــــــ

(٢) سيرة ابن هشام : ٤ / ٦٠٣ ، والسيرة النبوية لابن كثير : ٤ / ٢٠٥ مثله .

(٣) المستدرك على الصحيحين : ٣ / ١٣٤ .

(٤) السيرة النبوية لابن كثير : ٤ / ٢٠٢ .