في خضم الأحداث والمواقف المتباينة والمتناقضة جراء تعدد التيارات الفكرية والعقائدية، واضطراب عقول الكثير من المسلمين، لابتعادهم عن إدراك أسس العقيدة السليمة، قام الإمام عليه السلام بدور كبير في بيان العقيدة السليمة للجماعة الصالحة ; لتقوم بدورها في إصلاح المفاهيم والأفكار، ونشر عقيدة أهل البيت عليهم السلام في مختلف الأوساط وعلى جميع المستويات.لقد بيّن عليه السلام الأسس العامة للتوحيد، فعن حريز بن عبد الله، وعبد الله بن مسكان قالا: قال أبو جعفر عليه السلام :(لا يكون شيء في الأرض ولا في السماء إلاّ بهذه الخصال السبعة: بمشيّة، وإرادة، وقضاء، وإذن، وكتاب، وأجل، فمن زعم أنه يقدر على نقض واحدة منهنَّ فقد كفر) (١) .

وبيّن حقيقة التوحيد تمييزاً لعقيدة أهل البيت عليهم السلام عن العقائد الأخرى فقال عليه السلام :(لم تره الأبصار بمشاهدة العيان، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان، لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس، معروف بالآيات، منعوت بالعلامات، لا يجور في قضيته، بان من الأشياء وبانت الأشياء منه) (٢) .

وبيّن حدود الوصف لله تعالى فنهى عن التكلم في ذات الله وما يتفرع عنه من آراء ومفاهيم، فقال عليه السلام :(تكلموا فيما دون العرش، ولا تكلموا فيما فوق

ــــــــــــــ

(١) المحاسن: ٢٤٤.

(٢) مختصر تاريخ دمشق: ٢٣ / ٨١ .


العرش، فانّ قوماً تكلموا في الله فتاهوا ...) (١) .

وبيّن عليه السلام معياري الإيمان والإسلام فقال:(الإيمان إقرار وعمل، والإسلام إقرار بلا عمل) (٢) .

وقال عليه السلام :(الإيمان ما كان في القلب، والإسلام ما عليه التناكح والتوارث وحقنت به الدماء، والإيمان يشرك الإسلام، والإسلام لا يشرك الإيمان) (٣) .

وبيّن الأصل الأساسي من أصول العقيدة بعد أصل التوحيد وهو الولاية والإمامة المجعولة من الله تعالى ; لأن الولي والإمام يقوم بدور الحجّة نيابة عن الله تعالى، وبيّن مصير من لا يتولّى من نصّبه الله تعالى، فقال:(إنّ من دان الله بعبادة يجهد فيها نفسه بلا إمام عادل من الله، فإنّ سعيه غير مقبول وهو ضالّ متحيّر، ومثله كمثل شاة لا راعي لها ضلّت عن راعيها وقطيعها فتاهت ذاهبة وجائية يومها، فلمّا أن جنّها الليل بصرت بقطيع غنم مع راعيها فجاءت إليها فباتت معها في ربضتها متحيّرة تطلب راعيها وقطيعها، فبصرت بسرح قطيع غنم آخر فعمدت نحوه وحنّت إليها، فصاح بها الرّاعي الحقي بقطيعكِ فإنّكِ تائهة متحيّرة قد ضللت عن راعيك وقطيعك، فهجمت ذعرة متحيّرة لا راعي لها يرشدها إلى مرعاها ويردّها، فبينا هي كذلك إذ اغتنم الذئب ضيعتها فأكلها، وهكذا يا محمّد بن مسلم من أصبح من هذه الأمة ولا إمام له من الله عادل أصبح تائهاً متحيّراً، إن مات على حاله تلك مات ميتة كفر ونفاق، واعلم يا محمد أنّ أئمة الحقّ وأتباعهم على دين الله ...) (٤) .

وبيّن حدود ولاية أهل البيت عليهم السلام وحدود شفاعتهم فقال:(يا جابر!

ــــــــــــــ

(١) المحاسن: ٢٣٨.

(٢) تحف العقول: ٢١٧.

(٣) المصدر السابق: ٢١٨.

(٤) المحاسن: ٩٢، ٩٣ .


فو الله ما يُتقرب إلى الله تبارك وتعالى إلاّ بالطاعة، وما معنا براءة من النار، ولا على الله لأحد من حجّة، من كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدوّ، ولا تنال ولايتنا إلاّ بالعمل والورع) (١) .

وحذّر اتباعه من التأثر بأفكار واعتقادات الغلاة لأنها مخالفة للتوحيد، ومخالفة للمنهج العقائدي لأهل البيت عليهم السلام .