امتاز العصر العبّاسي الثاني الذي بدأ بحكم المتوكل سنة(٢٣٢ هـ ) بالنفوذ الواسع الذي تمتع به الأتراك الذين غلبوا الخلفاء وسلبوهم زمام إدارة الدولة، وأساؤا التعامل مع الأهالي منذ أيام المعتصم الذي سبق المتوكّل إلى الحكم، وهذا الوضع قد اضطرّ المعتصم لنقل مركز حكمه من بغداد إلى سامراء بسبب السلوك التركي الخشن وشكاية أهالي بغداد منهم. كما اتّسم بضعف القدرة المركزية للدولة الإسلامية وفقدانها بالتدريج لهيبتها التي كانت قد ورثتها من العصر الأوّل، لأسباب عديدة منها انشغال الحكّام بملاذّهم وشهواتهم، ومنها سيطرة الموالي ـ ولا سيّما الأتراك ـ على مقاليد السياسة العامة بعد انهماك الحكّام بالملاهي.

وكانت سيطرة الأتراك وقوّادهم قد بلغت حدّاً لا مثيل له، إذ كان تنصيب الخلفاء وعزلهم يتمّ حسب إرادة هؤلاء القوّاد الأتراك، وأنتج تعدّد الإرادات السياسية وضعف الخلفاء ظاهرة خطيرة للغاية هي قِصر أعمار حكوماتهم وسرعة تبدّل الخلفاء وعدم استقرار مركز الخلافة الذي يمثّل السلطة المركزية للدولة الإسلامية.

وهذا الضعف المركزي قد أنتج بدوره نتائج سلبية أخرى مثل استقلال الأمراء في أطراف الدولة الإسلامية بالحكم والاتجاه نحو تأسيس دويلات شبه مستقلّة في شرق الدولة الإسلامية وغربها بل انتقلت هذه الظاهرة بشكل آخر إلى داخل الحاضرة الإسلامية فكانت من علائمها بروز حالات الشغب من قبل الخوارج باستمرار منذ سنة(٢٥٢ هـ ) إلى سنة(٢٦٢ هـ ).


وظهور صاحب الزنج في سنة(٢٥٥ هـ )، فضلاً عن ثوّار علويين كانوا يدعون إلى الرضى من آل محمد صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم لا سيّما بعد ما عرفناه من كراهة المتوكّل للعلويين وقتله للإمام الهادي عليه السلام ومراقبته الشديدة للإمام الحسن العسكري عليه السلام (١) .