بعد أن أكّد الأئمة من أهل البيت عليهم السلام على دورهم القيادي الديني في أوساط الجماعة الصالحة وأوضحوا أهمّيّة الولاء لهم ، وأخذت تتسع الرقعة الجغرافية لأتباع أهل البيت عليهم السلام ، واحتاجوا إلى مَن يلبّي حاجاتهم الدينية ويكون حلقة وصل بينهم وبين أئمتهم عليهم السلام بادر الأئمة عليهم السلام إلى تعيين الوكلاء المعتمدين لهم في مختلف المناطق وأرجعوا إليهم أتباعهم .

ــــــــــــــ

(١) مستطرفات السرائر : ٦٨ ح ١٤ وعنه في وسائل الشيعة ١٧ : ١٩ ح ٩ ب ٤٥ ، وسائل الشيعة : ١٢ / ١٣٧ .


والمهامّ التي تولاّها الوكلاء لهم تمثّلت في بيان الأحكام الشرعية والمواقف السياسية والاجتماعية ، وتوجيه النصائح الأخلاقية والتربوية ، واستلام الحقوق الشرعية وتوزيعها ، وفصل النزاعات وتولّي الأوقاف وأمور القاصرين الذين لا وليّ لهم .

وتعتبر الوثاقة أو العدالة شرطاً أساسياً في الوكيل فضلاً عن إيمانه ومعرفته بأحكام الشريعة وشؤونها ، ولباقته السياسية وقدرته على حفظ أسرار الإمام وأتباعه من الحكّام وعيونهم .

والوكلاء منهم مَن يرتبط بالإمام عليه السلام بشكل مباشر ، ومنهم مَن يرتبط به بواسطة وكيل آخر يعتبر محوراً لمجموعة من الوكلاء في مناطق متقاربة .

ويعود تاريخ تأسيس هذا النظام إلى عصر الإمام الصادق عليه السلام أو مَن سبقه من الأئمة عليهم السلام غير أنّه قد اتّسع نطاقه وبدأ يتكامل بعد عصر الإمام الصادق عليه السلام نظراً للتطوّرات السياسية والمشاكل الأمنية التي أخذت تحيط بالجماعة الصالحة وتهدّد وجودهم وكيانهم .

ومنذ عصر الإمام الجواد عليه السلام وحتى ابتداء الغيبة الصغرى كان لهذا النظام دور فاعل وكبير جداً في حفظ كيان الجماعة الصالحة ووقايته من التفتّت والانهيار .

وبفضل هذا النظام والعناصر الفاعلة فيه أصبح الانتقال إلى عصر غيبة الإمام المهدي عليه السلام ميسوراً ، وقلّت المخاطر الناشئة من ظاهرة الغيبة للإمام المعصوم إلى حدّ كان نظام الوكلاء بكل خصائصه قد تطوّر إلى نظام النيابة الخاصّة في عصر الغيبة الصغرى ؛ فكان السفير هو النائب الخاص الذي يقوم بدور الإمام الموجّه لمجموعة الوكلاء وهو الذي يقوم بدور الوساطة بين الإمام والوكلاء وبين الإمام وأتباع الإمام عبر هؤلاء الوكلاء .


أمّا مناطق النفوذ ومناطق تواجد الوكلاء ، ففي الحجاز كانت المدينة ومكة واليمن ، وفي العراق ، كانت الكوفة وبغداد وسامراء وواسط والبصرة وفي إيران كانت خراسان الكبرى ، بما فيها نيسابور وبيهق وسبزوار وبخارا وسمرقند وهرات ، وقم وآوه والري وقزوين وهمدان وآذربايجان وقرميسين والأهواز وسيستان وبست وفي شمال أفريقيا كانت مصر أيضاً من مناطق تواجد أتباع أهل البيت عليهم السلام التي استقرّ فيها وكلاؤهم وقاموا بدور همزة الوصل المهمّة وحقّقوا بذلك جملة من مهامّ الأئمة عليهم السلام .