١ ـ الإمام الهادي عليه السلام وقضيّة حفيده المهدي عليه السلام

عرفنا أنّ قضية الإمام المهدي عليه السلام في عصر الإمام الهادي عليه السلام تُعدّ قضية أساسية للمسلمين بشكل عام ، ولأتباع أهل البيت عليهم السلام بشكل خاص ، والظروف التي كانت تحيط بالإمام الهادي عليه السلام كانت تزداد حراجة كلّما اقتربت أيّام ولادة الإمام المهدي عليه السلام وغيبته .

ولابد أن نبحث عن هذه القضية في محورين : الأول منهما خاص بالإمام المهدي عليه السلام ، والثاني منهما يرتبط بأتباعه وشيعته .

أمّا المحور الأول ، فالإمام الهادي عليه السلام مسؤول عن ترتيب التمهيدات اللازمة لولادة الإمام المهدي عليه السلام بحيث يطّلع الأعداء عليها وهم يراقبون بدقّة كل تصرّفات الإمام الهادي ونشاط ابنه الحسن العسكري عليهما‌ السلام .

وتشير النصوص إلى كيفية تدخّل الإمام الهادي عليه السلام لاختيار زوجة صالحة للإمام الحسن العسكري عليه السلام بحيث تقوم بالدور المطلوب منها في إخفاء ولادة ابنها المنتظر(١) .

وقد تظافرت نصوص الإمام الهادي عليه السلام على أنّ المهدي الذي ينتظر هو حفيده وولد الإمام الحسن العسكري عليه السلام وأنّه الذي يولد خفية ويقول الناس عنه إنّه لم يولد بعد ، وإنّه الذي لا يرى شخصه ولا يحل ذكره باسمه .

ــــــــــــــ

(١) راجع القصّة في كمال الدين : ٤١٧ ، ومسند الإمام الهادي عليه‌السلام : ٩٨ ـ ١٠٤ .


وهكذا ، وتضمّنت هذه النصوص جملة من التعليمات الكفيلة بتحقيق غطاء ينسجم مع مهمّة الاختفاء والغيبة من قِبل الإمام المهدي عليه السلام .

ومن أجل تحقيق عنصر الارتباط بالإمام في مرحلة الغيبة الأولى والتي تُعرف بالصغرى عمل الإمام على ربط شيعته ببعض وكلائه بشكل خاص وجعله حلقة الوصل بعد كسب ثقة شيعته بهذا الوكيل الذي تولّى مهمّة الوكالة للإمام الهادي والعسكري والمهدي عليهم السلام معاً ؛ وبذلك يكون قد مهّد لسفارة أوّل سفراء الإمام المهدي عليه السلام من دون حدوث مضاعفات خاصة ؛ لأنّ أتباع أهل البيت عليهم السلام قد اعتادوا على الارتباط بالإمام المعصوم من خلاله .

وإليك نصوص الإمام الهادي عليه السلام حول قضيّة الإمام المهدي عليه السلام :

١ ـ الكليني ، عن علي بن محمد ، عن بعض أصحابنا ، عن أيوب بن نوح ، عن أبي الحسن الثالث عليه السلام قال :إذا رفع علمكم من بين أظهركم فتوقّعوا الفرج من تحت أقدامكم .

٢ ـ الصدوق قال : حدّثنا علي بن أحمد بن موسى الدقّاق ، وعليّ بن عبد الله الورّاق رضي الله عنهما قالا : حدّثنا محمد بن هارون الصوفي قال : حدثنا أبو تراب عبد الله بن موسى الرّوياني ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنيّ قال : دخلت على سيدي علي بن محمد عليهما‌ السلام فلمّا بصر بي قال لي :مرحباً بك يا أبا القاسم أنت وليّنا حقّاً قال : فقلت له : يا بن رسول الله إنّي أريد أن أعرض عليك ديني فإن كان مرضياً ثبتُّ عليه حتى ألقى الله عزّ وجل .

فقال :هات يا أبا القاسم ، فقلت : إنّي أقول : إنّ الله تبارك وتعالى واحد ، ليس كمثله شيء ، خارج عن الحدّين حدّ الإبطال وحدّ التشبيه ، وإنّه ليس بجسم ولا صورة ، وعرض ولا جوهر ، بل هو مجسّم الأجسام ، ومصوّر الصور ، وخالق الأعراض والجواهر ، وربّ كلّ شيء ومالكه وجاعله ومحدثه ، وإنّ محمداً صلّى الله عليه وآله عبده ورسوله خاتم النبيين فلا نبيّ بعده إلى يوم القيامة ، وإن شريعته خاتمة الشرائع فلا شريعة بعدها إلى يوم القيامة .


وأقول : إنّ الإمام والخليفة ووليّ الأمر بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، ثم الحسن ، ثم الحسين ، ثم علي بن الحسين ، ثم محمد بن علي ، ثم جعفر بن محمد ، ثم موسى بن جعفر ، ثم علي بن موسى ، ثم محمد بن علي ، ثم أنت يا مولاي ، فقال عليه السلام :ومن بعدي الحسن ابني فكيف للناس بالخلق من بعده ؟ قال : قلت : وكيف ذاك يا مولاي ؟ قال :لأنّه لا يرى شخصه ، ولا يحلّ ذكره باسمه حتى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً .

قال : فقلت : أقررت وأقول : إنّ وليّهم ولي الله ، وعدوّهم عدوّ الله ، وطاعتهم طاعة الله ، ومعصيتهم معصية الله .

وأقول : إنّ المعراج حقٌّ ، والمساءلة في القبر حقٌّ ، وإنّ الجنة حقٌّ ، والنار حقٌّ ، والميزان حقٌّ ،( وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) .

وأقول : إنّ الفرائض الواجبة بعد الولاية : الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

فقال علي بن محمد عليهما‌ السلام :يا أبا القاسم هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده فاثبت عليه ، ثبّتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا و ( في )الآخرة (١) .

٣ ـ عنه قال : حدثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن محمد بن عمر الكاتب ، عن عليّ بن محمد الصيمريّ ، عن علي بن

ــــــــــــــ

(١) كمال الدين : ٣٧٩ .


مهزيار قال : كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام اسأله عن الفرج ، فكتب إليّ :إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين فتوقّعوا الفرج (١) .

٤ ـ عنه قال : حدّثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال : حدثنا سعد بن عبد الله قال : حدّثني إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه عليّ بن مهزيار ، عن عليّ بن محمد بن زياد قال : كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام اسأله عن الفرج ، فكتب إليّ :إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين فتوقّعوا الفرج (٢) .

٥ ـ عنه قال : حدثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال : حدثنا سعد بن عبد الله قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي غانم القزويني قال : حدثني إبراهيم بن محمد بن فارس قال : كنت أنا[ ونوح ] وأيوب بن نوح في طريق مكة فنزلنا على وادي زبالة فجلسنا نتحدّث فجرى ذكر ما نحن فيه وبعد الأمر علينا فقال أيوب بن نوح : كتبت في هذه السنة أذكر شيئاً من هذا ، فكتب إليّ :إذا رفع علمكم من بين أظهركم فتوقّعوا الفرج من تحت أقدامكم (٣) .

٦ ـ عن أبي جعفر محمد بن أحمد العلوي عن أبي هاشم الجعفري قال : سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول :الخلف بعدي ابني الحسن فكيف بالخلف بعد الخلف ؟! فقلت : ولم ، جعلني الله فداك ؟ قال :إنّكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه ، قلت : فكيف نذكره ؟ فقال :قولوا الحجّة من آل محمد صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم (٤) .

٧ ـ عن الصقر بن أبي دلف قال : سمعت علي بن محمد بن علي الرضا عليهم السلام يقول :الإمام بعدي الحسن ابني وبعد الحسن ابنه القائم الذي يملأ

ــــــــــــــ

(١) كمال الدين : ٣٨٠ .

(٢) كمال الدين : ٣٨١ .

(٣) كمال الدين : ٣٨١ .

(٤) إثبات الوصية : ٢٠٨ .


الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً(١) .

٨ ـ روى علي بن إبراهيم عن أبيه ، عن علي بن صدقة ، عن علي بن عبد الغفار قال : لمّا مات أبو جعفر الثاني كتبت الشيعة إلى أبي الحسن صاحب العسكر يسألونه عن الآخر فكتب عليه السلام :الأمر بي ما دمت حيّاً فإذا نزلت بي مقادير الله تبارك وتعالى أتاكم الخلف منّي ، فأنّى لكم بالخلف بعد الخلف ؟!

٩ ـ وروى إسحاق بن محمد بن أيوب قال : سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول :صاحب هذا الأمر مَن يقول الناس لم يولد بعد (٢) .

وأمّا المحور الثاني فهو الأعداد النفسي وتحقيق الاستعداد الواقعي لدور غيبة الإمام المهدي عليه السلام من قِبل شيعة الإمام عليه السلام .

وقد حقّق الإمام هذا الاستعداد وأخرجه من عالم القوّة إلى عالم الفعلية بما خطّطه لشيعته من تعويدهم على الاحتجاب عنهم ، والارتباط بهم من خلال وكلائه ونوّابه ، وتوعيتهم على الوضع المستقبلي ؛ لئلاّ يُفاجأوا بما سيطر عليهم من ظروف جديدة لم يألفوها من ذي قبل .

وكان للإمام الهادي عليه السلام أسلوب خاص لطرح إمامة ابنه الحسن العسكري عليه السلام بما يتناسب مع مهمّته المستقبلية في الحفاظ على حجّة الله ووليّه الذي سيولد في ظرف حرج جدّاً ؛ ليتسنّى لأتباعه الانقياد للإمام من بعده والتسليم له فيما سيخبر به من وقوع الولادة وتحقّق الغيبة وتحقّق الارتباط به عبر سفيره الذي تعرّفت عليه الشيعة ووثقت به .

ولهذا تفنّن الإمام الهادي عليه السلام في كيفية طرح إمامة الحسن عليه السلام وزمن طرح ذلك وكيفيّة الإشهاد عليه .

ــــــــــــــ

(١) كمال الدين : ٣٨٣ ح ١٠ وعنه في إعلام الورى : ٢/٢٤٧ .

(٢) إعلام الورى : ٢/٢٤٧ الحديث الأخير وقبله .


ومنه يبدو أنّ التعتيم الإعلامي حتى على إمامة الحسن العسكري عليه السلام كان مقصوداً للإمام الهادي عليه السلام ، فتارة ينفي إمامة غيره وأخرى يكنّيه وثالثة يصفه ببعض الصفات التي قد توهم إرادة غيره في بادئ النظر وترشد إليه في نهاية المطاف كما ورد عنه أنّ هذا الأمر في الكبير من ولدي .

حيث إنّ الكبير هو ( محمد ) المكنّى بأبي جعفر غير أنّه قد مات في حياة والده فلم يكن الكبير سوى الحسن عليه السلام .

وإليك جملة من هذه النصوص التي يمكن تصنيفها بحسب تسلسلها الزمني إلى ما صدر من الإمام الهادي عليه السلام قبل وفاة أبي جعفر ، وما صدر حين وفاته ، وما صدر بعدها ، وما صدر منه قُبيل استشهاد الإمام الهادي عليه السلام .

ويكفي الاطلاع عليها بتسلسلها التاريخي لنطمئن بتخطيط الإمام الهادي عليه السلام من أجل تحصين الجماعة الصالحة من كل إبهام أو تشكيك أو فراغ عقائدي أو انهيار ، بعد إيضاح الحق وتبلّجه لأهله الذين عرفوا أنّ الأرض لا تخلو من حجّة إمّا ظاهر مشهور أو خائف مستور .

وإليك هذه النصوص كالآتي :

١ ـ عن علي بن عمرو العطار قال : دخلت على أبي الحسن العسكري عليه السلام وأبو جعفر ابنه في الاحياء ، وأنا أظن أنّه هو فقلت : جُعلت فداك مَن أخصّ من ولدك ؟ فقال :لا تخصّوا أحداً حتى يخرج إليكم أمري .

قال : فكتبت إليه بعد : فيمَن يكون هذا الأمر ؟ قال : فكتب إليّ :في الكبير من ولدي (١) .

ولا تعني إشارة الإمام إلى ولده أبي جعفر فهو يعلم أنّه سيمضي في حياته وسيكون الكبير أبا محمد العسكري عليه السلام وهو المؤهّل لها دون غيره من إخوته .

ــــــــــــــ

(١) أُصول الكافي : ١ / ٣٢٦ ح ٧ .


٢ ـ وعن علي بن عمر النوفلي قال : كنت مع أبي الحسن عليه السلام في صحن داره فمرّ محمد ابنه فقلت له جُعلت فداك هذا صاحبنا بعدك ؟ فقال :لا ، صاحبكم بعدي الحسن (١) .

٣ ـ عن إسحاق بن محمد عن محمد بن يحيى بن رئاب قال : حدثني أبو بكر الفهفكي قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن مسائل فلمّا نفذ الكتاب قلت في نفسي : إنّي كتبت فيما كتب أسأله عن الخلف من بعده وذلك بعد مضي محمد ابنه فأجابني عن مسائلي :وكنت أردت أن تسألني عن الخلف ، أبو محمد ابني اصح آل محمد صلّى الله عليه وآله غريزة وأوثقهم عقيدة بعدي وهو الأكبر من ولدي إليه تنتهي عرى الإمامة وأحكامها فما كنت سائلاً عنه فسله فعنده علم ما يحتاج إليه والحمد لله (٢) .

٤ ـ عن علان الكلابي عن إسحاق بن إسماعيل النيشابوري قال حدثني شاهويه بن عبد الله الجلاب قال : كنت رويت دلائل كثيرة عن أبي الحسن عليه السلام في ابنه محمد فلمّا مضى بقيت متحيّراً وخفت أن أكتب في ذلك فلا أدري ما يكون فكتبت اسأل الدعاء ، فخرج الجواب بالدعاء لي وفي آخر الكتاب :أردت أن تسأل عن الخلف وقلقت لذلك فلا تغتم فإنّ الله عزّ وجلّ لا يضل قوماً بعد أن هداهم حتى يبيّن لهم ما يتقون ، وصاحبك بعدي أبو محمد ابني عنده علم ما تحتاجون إليه يقدّم الله ما يشاء ويؤخّر ما يشاء قد كتبت بما فيه تبيان لذي لبٍّ يقظان (٣) .

٥ ـ حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيرضي‌الله‌عنه قال : حدثنا الصقر ابن أبي دلف قال : سمعت علي بن محمد بن علي الرضا عليه السلام يقول : إنّ الإمام بعدي الحسن ابني ، وبعد الحسن ابنه القائم الذي يملأ الأرض

ــــــــــــــ

(١) أصول الكافي : ١ / ٣٢٥ ح ٢ .

(٢) إثبات الوصية : ٢٠٨ .

(٣) إثبات الوصية : ٢٠٩ .


قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً (١) .

٦ ـ عن علي بن محمد ، عن محمد بن أحمد النهدي ، عن يحيى بن يسار القنبري قال : أوصى أبو الحسن عليه السلام إلى ابنه الحسن قبل مضيه بأربعة أشهر ، وأشهدني على ذلك وجماعة من الموالي (٢) .