يَا عَبْدَ اللَّهِ لَقَدْ نَصَبَ إِبْلِيسُ حَبَائِلَهُ فِي دَارِ الْغُرُورِ فَمَا يَقْصِدُ فِيهَا إِلَّا أَوْلِيَاءَنَا وَ لَقَدْ جَلَّتِ الْآخِرَةُ فِي أَعْيُنِهِمْ حَتَّى مَا يُرِيدُونَ بِهَا بَدَلًا ثُمَّ قَالَ آهِ آهِ عَلَى قُلُوبٍ حُشِيَتْ نُوراً وَ إِنَّمَا كَانَتِ الدُّنْيَا عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الشُّجَاعِ الْأَرْقَمِ «2» وَ الْعَدُوِّ الْأَعْجَمِ أَنِسُوا بِاللَّهِ وَ اسْتَوْحَشُوا مِمَّا بِهِ اسْتَأْنَسَ الْمُتْرَفُونَ أُولَئِكَ أَوْلِيَائِي حَقّاً وَ بِهِمْ تُكْشَفُ كُلُّ فِتْنَةٍ وَ تُرْفَعُ كُلُّ بَلِيَّةٍ

يَا ابْنَ جُنْدَبٍ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَعْرِفُنَا أَنْ يَعْرِضَ عَمَلَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَ لَيْلَةٍ عَلَى نَفْسِهِ فَيَكُونَ مُحَاسِبَ نَفْسِهِ فَإِنْ رَأَى حَسَنَةً اسْتَزَادَ مِنْهَا وَ إِنْ رَأَى سَيِّئَةً اسْتَغْفَرَ مِنْهَا لِئَلَّا يَخْزَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ طُوبَى لِعَبْدٍ لَمْ يَغْبِطِ الْخَاطِئِينَ عَلَى مَا أُوتُوا مِنْ نَعِيمِ الدُّنْيَا وَ زَهْرَتِهَا طُوبَى لِعَبْدٍ طَلَبَ الْآخِرَةَ وَ سَعَى لَهَا طُوبَى لِمَنْ لَمْ تُلْهِهِ الْأَمَانِيُّ الْكَاذِبَةُ ثُمَّ قَالَ ع رَحِمَ اللَّهُ قَوْماً كَانُوا سِرَاجاً وَ مَنَاراً كَانُوا دُعَاةً إِلَيْنَا بِأَعْمَالِهِمْ وَ مَجْهُودِ طَاقَتِهِمْ لَيْسَ كَمَنْ يُذِيعُ أَسْرَارَنَا

يَا ابْنَ جُنْدَبٍ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَخَافُونَ اللَّهَ وَ يُشْفِقُونَ أَنْ يُسْلَبُوا مَا أُعْطُوا مِنَ الْهُدَى فَإِذَا ذَكَرُوا اللَّهَ وَ نَعْمَاءَهُ وَجِلُوا وَ أَشْفَقُوا- وَ إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً مِمَّا أَظْهَرَهُ مِنْ نَفَاذِ قُدْرَتِهِ- وَ عَلى‏ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ

يَا ابْنَ جُنْدَبٍ قَدِيماً عَمِرَ الْجَهْلُ وَ قَوِيَ أَسَاسُهُ وَ ذَلِكَ لِاتِّخَاذِهِمْ دِينَ اللَّهِ لَعِباً حَتَّى‏
 ______
(1). بضم الكاف و سكون النون و فتح الدال. هو عبد اللّه بن جندب البجليّ الكوفيّ ثقة جليل القدر من أصحاب الصادق و الكاظم و الرضا عليهم السلام و انه من المخبتين و كان وكيلا لابى إبراهيم و أبى الحسن عليهما السلام. كان عابدا رفيع المنزلة لديهما على ما ورد في الاخبار. و لما مات رحمه اللّه قام مقامه عليّ بن مهزيار.
 (2). حشيت اي ملات و الشجاع- بالكسر و الضم-: الحية العظيمة التي تواثب الفارس و ربما قلعت رأس الفارس و تكون في الصحارى و يقوم على ذنبه. و الارقم: الحيّة التي فيها سواد و بياض و هو اخبث الحيات و يحتمل أن يكون الشجاع الاقرع و هو حيّة قد تمعط شعر رأسها لكثرة سمها. تحف العقول، النص، ص: 302 لَقَدْ كَانَ الْمُتَقَرِّبُ مِنْهُمْ إِلَى اللَّهِ بِعِلْمِهِ يُرِيدُ سِوَاهُ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ

يَا ابْنَ جُنْدَبٍ لَوْ أَنَّ شِيعَتَنَا اسْتَقَامُوا لَصَافَحَتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَ لَأَظَلَّهُمُ الْغَمَامُ وَ لَأَشْرَقُوا نَهَاراً وَ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَ لَمَا سَأَلُوا اللَّهَ شَيْئاً إِلَّا أَعْطَاهُمْ

يَا ابْنَ جُنْدَبٍ لَا تَقُلْ فِي الْمُذْنِبِينَ مِنْ أَهْلِ دَعْوَتِكُمْ إِلَّا خَيْراً وَ اسْتَكِينُوا إِلَى اللَّهِ فِي تَوْفِيقِهِمْ وَ سَلُوا التَّوْبَةَ لَهُمْ فَكُلُّ مَنْ قَصَدَنَا وَ وَالانَا وَ لَمْ يُوَالِ عَدُوَّنَا وَ قَالَ مَا يَعْلَمُ وَ سَكَتَ عَمَّا لَا يَعْلَمُ أَوْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ

يَا ابْنَ جُنْدَبٍ يَهْلِكُ الْمُتَّكِلُ عَلَى عَمَلِهِ وَ لَا يَنْجُو الْمُجْتَرِئُ عَلَى الذُّنُوبِ الْوَاثِقُ بِرَحْمَةِ اللَّهِ قُلْتُ فَمَنْ يَنْجُو قَالَ الَّذِينَ هُمْ بَيْنَ الرَّجَاءِ وَ الْخَوْفِ كَأَنَّ قُلُوبَهُمْ فِي مِخْلَبِ طَائِرٍ شَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ وَ خَوْفاً مِنَ الْعَذَابِ

يَا ابْنَ جُنْدَبٍ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ اللَّهُ الْحُورَ الْعِينَ وَ يُتَوِّجَهُ بِالنُّورِ فَلْيُدْخِلْ عَلَى أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ السُّرُورَ

يَا ابْنَ جُنْدَبٍ أَقِلَّ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ وَ الْكَلَامَ بِالنَّهَارِ فَمَا فِي الْجَسَدِ شَيْ‏ءٌ أَقَلَّ شُكْراً مِنَ الْعَيْنِ وَ اللِّسَانِ فَإِنَّ أُمَّ سُلَيْمَانَ قَالَتْ لِسُلَيْمَانَ ع يَا بُنَيَّ إِيَّاكَ وَ النَّوْمَ فَإِنَّهُ يُفْقِرُكَ يَوْمَ يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَى أَعْمَالِهِمْ

يَا ابْنَ جُنْدَبٍ إِنَّ لِلشَّيْطَانِ مَصَائِدَ يَصْطَادُ بِهَا فَتَحَامَوْا شِبَاكَهُ «1» وَ مَصَائِدَهُ قُلْتُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ وَ مَا هِيَ قَالَ أَمَّا مَصَائِدُهُ فَصَدٌّ عَنْ بِرِّ الْإِخْوَانِ وَ أَمَّا شِبَاكُهُ فَنَوْمٌ عَنْ قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ أَمَا إِنَّهُ مَا يُعْبَدُ اللَّهُ بِمِثْلِ نَقْلِ الْأَقْدَامِ إِلَى بِرِّ الْإِخْوَانِ وَ زِيَارَتِهِمْ وَيْلٌ لِلسَّاهِينَ عَنِ الصَّلَوَاتِ النَّائِمِينَ فِي الْخَلَوَاتِ الْمُسْتَهْزِءِينَ بِاللَّهِ وَ آيَاتِهِ فِي الْفَتَرَاتِ «2» أُولَئِكَ الَّذِينَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ ... يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ «3»

يَا ابْنَ جُنْدَبٍ مَنْ أَصْبَحَ مَهْمُوماً لِسِوَى فَكَاكِ رَقَبَتِهِ فَقَدْ هَوَّنَ عَلَيْهِ «4» الْجَلِيلَ وَ رَغِبَ‏
 ______
(1). فتحاموا: اجتنبوها و توقوها. الشباك- جمع شبكة- بالتحريك-: شركة الصيّاد يعنى حبائل الصيد.
(2). الفترة: الضعف و الانكساء و المراد بها زمان ضعف الدين. (3). آل عمران 77. (4). الضمير يعود الى «من».
 مِنْ رَبِّهِ فِي الرِّبْحِ الْحَقِيرِ «1» وَ مَنْ غَشَّ أَخَاهُ وَ حَقَّرَهُ وَ نَاوَأَهُ «2» جَعَلَ اللَّهُ النَّارَ مَأْوَاهُ وَ مَنْ حَسَدَ مُؤْمِناً انْمَاثَ الْإِيمَانُ فِي قَلْبِهِ كَمَا يَنْمَاثُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ

يَا ابْنَ جُنْدَبٍ الْمَاشِي فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَالسَّاعِي بَيْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ وَ قَاضِي حَاجَتِهِ كَالْمُتَشَحِّطِ بِدَمِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَوْمَ بَدْرٍ وَ أُحُدٍ وَ مَا عَذَّبَ اللَّهُ أُمَّةً إِلَّا عِنْدَ اسْتِهَانَتِهِمْ بِحُقُوقِ فُقَرَاءِ إِخْوَانِهِمْ

يَا ابْنَ جُنْدَبٍ بَلِّغْ مَعَاشِرَ شِيعَتِنَا وَ قُلْ لَهُمْ لَا تَذْهَبَنَّ بِكُمُ الْمَذَاهِبُ فَوَ اللَّهِ لَا تُنَالُ وَلَايَتُنَا إِلَّا بِالْوَرَعِ وَ الِاجْتِهَادِ فِي الدُّنْيَا وَ مُوَاسَاةِ الْإِخْوَانِ فِي اللَّهِ وَ لَيْسَ مِنْ شِيعَتِنَا مَنْ يَظْلِمُ النَّاسَ

يَا ابْنَ جُنْدَبٍ إِنَّمَا شِيعَتُنَا يُعْرَفُونَ بِخِصَالٍ شَتَّى بِالسَّخَاءِ وَ الْبَذْلِ لِلْإِخْوَانِ وَ بِأَنْ يُصَلُّوا الْخَمْسِينَ لَيْلًا وَ نَهَاراً شِيعَتُنَا لَا يَهِرُّونَ هَرِيرَ الْكَلْبِ وَ لَا يَطْمَعُونَ طَمَعَ الْغُرَابِ وَ لَا يُجَاوِرُونَ لَنَا عَدُوّاً وَ لَا يَسْأَلُونَ لَنَا مُبْغِضاً وَ لَوْ مَاتُوا جُوعاً شِيعَتُنَا لَا يَأْكُلُونَ الْجِرِّيَّ «3» وَ لَا يَمْسَحُونَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَ يُحَافِظُونَ عَلَى الزَّوَالِ وَ لَا يَشْرَبُونَ مُسْكِراً قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَأَيْنَ أَطْلُبُهُمْ قَالَ ع عَلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ وَ أَطْرَافِ الْمُدُنِ وَ إِذَا دَخَلْتَ مَدِينَةً فَسَلْ «4» عَمَّنْ لَا يُجَاوِرُهُمْ وَ لَا يُجَاوِرُونَهُ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ كَمَا قَالَ اللَّهُ- وَ جاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى‏ «5» وَ اللَّهِ لَقَدْ كَانَ حَبِيبَ النَّجَّارِ وَحْدَهُ

يَا ابْنَ جُنْدَبٍ كُلُّ الذُّنُوبِ مَغْفُورَةٌ سِوَى عُقُوقِ أَهْلِ دَعْوَتِكَ وَ كُلُّ الْبِرِّ مَقْبُولٌ إِلَّا مَا كَانَ رِئَاءً

يَا ابْنَ جُنْدَبٍ أَحْبِبْ فِي اللَّهِ وَ اسْتَمْسِكْ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى‏ وَ اعْتَصِمْ بِالْهُدَى يُقْبَلْ عَمَلُكَ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ... ثُمَّ اهْتَدى‏ «6» فَلَا يُقْبَلُ إِلَّا الْإِيمَانُ وَ لَا
_______
(1). في الوافي [الوتح الحقير] و الوتح- بالتحريك و ككتف-: القليل التافه من الشي‏ء.
(2). أي عاداه و أصله الهمزة من النوء. بمعنى النهوض و الطلوع.
 (3). الجرى- كذمّى-: سمك طويل أملس و ليس عليه فصوص. قيل: مارماهى.
(4). الظاهر ان مراده عليه السلام في دولة الفسق و زمن الكفر.
(5). سورة يس آية 19.
(6). سورة طه آية 84 «وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى‏»
إِيمَانَ إِلَّا بِعَمَلٍ وَ لَا عَمَلَ إِلَّا بِيَقِينٍ وَ لَا يَقِينَ إِلَّا بِالْخُشُوعِ وَ مِلَاكُهَا كُلُّهَا الْهُدَى فَمَنِ اهْتَدَى يُقْبَلُ عَمَلُهُ وَ صَعِدَ إِلَى الْمَلَكُوتِ مُتَقَبَّلًا- وَ اللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ «1»

يَا ابْنَ جُنْدَبٍ إِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تُجَاوِرَ الْجَلِيلَ فِي دَارِهِ وَ تَسْكُنَ الْفِرْدَوْسَ فِي جِوَارِهِ فَلْتَهُنْ عَلَيْكَ الدُّنْيَا وَ اجْعَلِ الْمَوْتَ نُصْبَ عَيْنِكَ وَ لَا تَدَّخِرْ شَيْئاً لِغَدٍ وَ اعْلَمْ أَنَّ لَكَ مَا قَدَّمْتَ وَ عَلَيْكَ مَا أَخَّرْتَ

يَا ابْنَ جُنْدَبٍ مَنْ حَرَمَ نَفْسَهُ كَسْبَهُ فَإِنَّمَا يَجْمَعُ لِغَيْرِهِ وَ مَنْ أَطَاعَ هَوَاهُ فَقَدْ أَطَاعَ عَدُوَّهُ مَنْ يَثِقْ بِاللَّهِ يَكْفِهِ مَا أَهَمَّهُ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاهُ وَ آخِرَتِهِ وَ يَحْفَظْ لَهُ مَا غَابَ عَنْهُ وَ قَدْ عَجَزَ مَنْ لَمْ يُعِدَّ لِكُلِّ بَلَاءٍ صَبْراً وَ لِكُلِّ نِعْمَةٍ شُكْراً وَ لِكُلِّ عُسْرٍ يُسْراً صَبِّرْ نَفْسَكَ عِنْدَ كُلِّ بَلِيَّةٍ فِي وَلَدٍ أَوْ مَالٍ أَوْ رَزِيَّةٍ «2» فَإِنَّمَا يَقْبِضُ عَارِيَتَهُ وَ يَأْخُذُ هِبَتَهُ لِيَبْلُوَ فِيهِمَا صَبْرَكَ وَ شُكْرَكَ وَ ارْجُ اللَّهَ رَجَاءً لَا يُجَرِّيكَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَ خَفْهُ خَوْفاً لَا يُؤْيِسُكَ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ لَا تَغْتَرَّ بِقَوْلِ الْجَاهِلِ وَ لَا بِمَدْحِهِ فَتَكَبَّرَ وَ تَجَبَّرَ وَ تُعْجَبَ بِعَمَلِكَ فَإِنَّ أَفْضَلَ الْعَمَلِ الْعِبَادَةُ وَ التَّوَاضُعُ فَلَا تُضَيِّعْ مَالَكَ وَ تُصْلِحَ مَالَ غَيْرِكَ مَا خَلَّفْتَهُ وَرَاءَ ظَهْرِكَ وَ اقْنَعْ بِمَا قَسَمَهُ اللَّهُ لَكَ وَ لَا تَنْظُرْ إِلَّا إِلَى مَا عِنْدَكَ وَ لَا تَتَمَنَّ مَا لَسْتَ تَنَالُهُ فَإِنَّ مَنْ قَنِعَ شَبِعَ وَ مَنْ لَمْ يَقْنَعْ لَمْ يَشْبَعْ وَ خُذْ حَظَّكَ مِنْ آخِرَتِكَ وَ لَا تَكُنْ بَطِراً فِي الْغِنَى وَ لَا جَزِعاً فِي الْفَقْرِ وَ لَا تَكُنْ فَظّاً غَلِيظاً يَكْرَهِ النَّاسُ قُرْبَكَ وَ لَا تَكُنْ وَاهِناً يُحَقِّرْكَ مَنْ عَرَفَكَ وَ لَا تُشَارَّ «3» مَنْ فَوْقَكَ وَ لَا تَسْخَرْ بِمَنْ هُوَ دُونَكَ وَ لَا تُنَازِعِ الْأَمْرَ أَهْلَهُ وَ لَا تُطِعِ السُّفَهَاءَ وَ لَا تَكُنْ مَهِيناً تَحْتَ كُلِّ أَحَدٍ وَ لَا تَتَّكِلَنَّ عَلَى كِفَايَةِ أَحَدٍ وَ قِفْ عِنْدَ كُلِّ أَمْرٍ حَتَّى تَعْرِفَ مَدْخَلَهُ مِنْ مَخْرَجِهِ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ فِيهِ فَتَنْدَمَ وَ اجْعَلْ قَلْبَكَ قَرِيباً تُشَارِكُهُ «4» وَ اجْعَلْ عَمَلَكَ وَالِداً تَتَّبِعُهُ وَ اجْعَلْ نَفْسَكَ عَدُوّاً تُجَاهِدُهُ وَ عَارِيَةً تَرُدُّهَا-
 _______
 (1). سورة البقرة آية 109.
(2). الرزية: المصيبة أصله من رزأ أي أصاب منه شيئا و نقص. و في بعض النسخ [أو ذريّة].
(3). و لا تشار اي و لا تخاصم.
 (4). في بعض النسخ [تتنازله‏].

فَإِنَّكَ قَدْ جُعِلْتَ طَبِيبَ نَفْسِكَ وَ عُرِّفْتَ آيَةَ الصِّحَّةِ وَ بُيِّنَ لَكَ الدَّاءُ وَ دُلِلْتَ عَلَى الدَّوَاءِ فَانْظُرْ قِيَامَكَ عَلَى نَفْسِكَ وَ إِنْ كَانَتْ لَكَ يَدٌ عِنْدَ إِنْسَانٍ فَلَا تُفْسِدْهَا بِكَثْرَةِ الْمَنِّ وَ الذِّكْرِ لَهَا وَ لَكِنْ أَتْبِعْهَا بِأَفْضَلَ مِنْهَا فَإِنَّ ذَلِكَ أَجْمَلُ بِكَ فِي أَخْلَاقِكَ وَ أَوْجَبُ لِلثَّوَابِ فِي آخِرَتِكَ وَ عَلَيْكَ بِالصَّمْتِ تُعَدَّ حَلِيماً جَاهِلًا كُنْتَ أَوْ عَالِماً فَإِنَّ الصَّمْتَ زَيْنٌ لَكَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَ سَتْرٌ لَكَ عِنْدَ الْجُهَّالِ

يَا ابْنَ جُنْدَبٍ إِنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ع قَالَ لِأَصْحَابِهِ أَ رَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ مَرَّ بِأَخِيهِ فَرَأَى ثَوْبَهُ قَدِ انْكَشَفَ عَنْ بَعْضِ عَوْرَتِهِ أَ كَانَ كَاشِفاً عَنْهَا كُلِّهَا أَمْ يَرُدُّ عَلَيْهَا مَا انْكَشَفَ مِنْهَا قَالُوا بَلْ نَرُدُّ عَلَيْهَا قَالَ كَلَّا بَلْ تَكْشِفُونَ عَنْهَا كُلِّهَا فَعَرَفُوا أَنَّهُ مَثَلٌ ضَرَبَهُ لَهُمْ فَقِيلَ يَا رُوحَ اللَّهِ وَ كَيْفَ ذَلِكَ قَالَ الرَّجُلُ مِنْكُمْ يَطَّلِعُ عَلَى الْعَوْرَةِ مِنْ أَخِيهِ فَلَا يَسْتُرُهَا بِحَقٍّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّكُمْ لَا تُصِيبُونَ مَا تُرِيدُونَ إِلَّا بِتَرْكِ مَا تَشْتَهُونَ وَ لَا تَنَالُونَ مَا تَأْمُلُونَ إِلَّا بِالصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُونَ إِيَّاكُمْ وَ النَّظِرَةَ فَإِنَّهَا تَزْرَعُ فِي الْقَلْبِ الشَّهْوَةَ وَ كَفَى بِهَا لِصَاحِبِهَا فِتْنَةً طُوبَى لِمَنْ جَعَلَ بَصَرَهُ فِي قَلْبِهِ وَ لَمْ يَجْعَلْ بَصَرَهُ فِي عَيْنِهِ لَا تَنْظُرُوا فِي عُيُوبِ النَّاسِ كَالْأَرْبَابِ وَ انْظُرُوا فِي عُيُوبِكُمْ كَهَيْئَةِ الْعَبِيدِ إِنَّمَا النَّاسُ رَجُلَانِ مُبْتَلًى وَ مُعَافًى فَارْحَمُوا الْمُبْتَلَى وَ احْمَدُوا اللَّهَ عَلَى الْعَافِيَةِ

يَا ابْنَ جُنْدَبٍ صِلْ مَنْ قَطَعَكَ وَ أَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ وَ أَحْسِنْ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ وَ سَلِّمْ عَلَى مَنْ سَبَّكَ وَ أَنْصِفْ مَنْ خَاصَمَكَ وَ اعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ كَمَا أَنَّكَ تُحِبُّ أَنْ يُعْفَى عَنْكَ فَاعْتَبِرْ بِعَفْوِ اللَّهِ عَنْكَ أَ لَا تَرَى أَنَّ شَمْسَهُ أَشْرَقَتْ عَلَى الْأَبْرَارِ وَ الْفُجَّارِ وَ أَنَّ مَطَرَهُ يَنْزِلُ عَلَى الصَّالِحِينَ وَ الْخَاطِئِينَ

يَا ابْنَ جُنْدَبٍ لَا تَتَصَدَّقْ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لِيُزَكُّوكَ فَإِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَوْفَيْتَ أَجْرَكَ وَ لَكِنْ إِذَا أَعْطَيْتَ بِيَمِينِكَ فَلَا تُطْلِعْ عَلَيْهَا شِمَالَكَ فَإِنَّ الَّذِي تَتَصَدَّقُ لَهُ سِرّاً يُجْزِيكَ عَلَانِيَةً عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي لَا يَضُرُّكَ أَنْ لَا يُطْلِعَ النَّاسَ عَلَى صَدَقَتِكَ وَ اخْفِضِ الصَّوْتَ إِنَّ رَبَّكَ الَّذِي يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَ ما تُعْلِنُونَ قَدْ عَلِمَ مَا تُرِيدُونَ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُوهُ وَ إِذَا صُمْتَ فَلَا تَغْتَبْ أَحَداً وَ لَا تَلْبِسُوا صِيَامَكُمْ بِظُلْمٍ وَ لَا تَكُنْ كَالَّذِي يَصُومُ رِئَاءَ النَّاسِ مُغْبَرَّةً وُجُوهُهُمْ شَعِثَةً رُءُوسُهُمْ- تحف العقول، النص، ص: 306 يَابِسَةً أَفْوَاهُهُمْ لِكَيْ يَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّهُمْ صَيَامَى

يَا ابْنَ جُنْدَبٍ الْخَيْرُ كُلُّهُ أَمَامَكَ وَ إِنَّ الشَّرَّ كُلَّهُ أَمَامَكَ وَ لَنْ تَرَى الْخَيْرَ وَ الشَّرَّ إِلَّا بَعْدَ الْآخِرَةِ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَ عَزَّ جَعَلَ الْخَيْرَ كُلَّهُ فِي الْجَنَّةِ وَ الشَّرَّ كُلَّهُ فِي النَّارِ لِأَنَّهُمَا الْبَاقِيَانِ وَ الْوَاجِبُ عَلَى مَنْ وَهَبَ اللَّهُ لَهُ الْهُدَى وَ أَكْرَمَهُ بِالْإِيمَانِ وَ أَلْهَمَهُ رُشْدَهُ وَ رَكَّبَ فِيهِ عَقْلًا يَتَعَرَّفُ بِهِ نِعَمَهُ وَ آتَاهُ عِلْماً وَ حُكْماً يُدَبِّرُ بِهِ أَمْرَ دِينِهِ وَ دُنْيَاهُ «1» أَنْ يُوجِبَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَشْكُرَ اللَّهَ وَ لَا يَكْفُرَهُ وَ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ وَ لَا يَنْسَاهُ وَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ وَ لَا يَعْصِيَهُ لِلْقَدِيمِ الَّذِي تَفَرَّدَ لَهُ بِحُسْنِ النَّظَرِ وَ لِلْحَدِيثِ الَّذِي أَنْعَمَ عَلَيْهِ بَعْدَ إِذْ أَنْشَأَهُ مَخْلُوقاً وَ لِلْجَزِيلِ الَّذِي وَعَدَهُ وَ الْفَضْلِ الَّذِي لَمْ يُكَلِّفْهُ مِنْ طَاعَتِهِ فَوْقَ طَاقَتِهِ وَ مَا يَعْجِزُ عَنِ الْقِيَامِ بِهِ وَ ضَمِنَ لَهُ الْعَوْنَ عَلَى تَيْسِيرِ مَا حَمَلَهُ مِنْ ذَلِكَ وَ نَدَبَهُ إِلَى الِاسْتِعَانَةِ عَلَى قَلِيلِ مَا كَلَّفَهُ وَ هُوَ مُعْرِضٌ «2» عَمَّا أَمَرَهُ وَ عَاجِزٌ عَنْهُ قَدْ لَبِسَ ثَوْبَ الِاسْتِهَانَةِ فِيمَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ رَبِّهِ مُتَقَلِّداً لِهَوَاهُ مَاضِياً فِي شَهَوَاتِهِ مُؤْثِراً لِدُنْيَاهُ عَلَى آخِرَتِهِ وَ هُوَ فِي ذَلِكَ يَتَمَنَّى جِنَانَ الْفِرْدَوْسِ وَ مَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَطْمَعَ أَنْ يَنْزِلَ بِعَمَلِ الْفُجَّارِ مَنَازِلَ الْأَبْرَارِ أَمَا إِنَّهُ لَوْ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ وَ قَامَتِ الْقِيَامَةُ وَ جاءَتِ الطَّامَّةُ وَ نَصَبَ الْجَبَّارُ الْمَوَازِينَ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ وَ بَرَزَ الْخَلَائِقُ لِيَوْمِ الْحِسَابِ أَيْقَنْتَ عِنْدَ ذَلِكَ لِمَنْ تَكُونُ الرِّفْعَةُ وَ الْكَرَامَةُ وَ بِمَنْ تَحِلُّ الْحَسْرَةُ وَ النَّدَامَةُ فَاعْمَلِ الْيَوْمَ فِي الدُّنْيَا بِمَا تَرْجُو بِهِ الْفَوْزَ فِي الْآخِرَةِ

يَا ابْنَ جُنْدَبٍ قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَ عَزَّ فِي بَعْضِ مَا أَوْحَى إِنَّمَا أَقْبَلُ الصَّلَاةَ مِمَّنْ يَتَوَاضَعُ لِعَظَمَتِي وَ يَكُفُّ نَفْسَهُ عَنِ الشَّهَوَاتِ مِنْ أَجْلِي وَ يَقْطَعُ نَهَارَهُ بِذِكْرِي وَ لَا يَتَعَظَّمُ عَلَى خَلْقِي وَ يُطْعِمُ الْجَائِعَ وَ يَكْسُو الْعَارِيَ وَ يَرْحَمُ الْمُصَابَ وَ يُؤْوِي الْغَرِيبَ «3» فَذَلِكَ يُشْرِقُ نُورُهُ مِثْلَ الشَّمْسِ أَجْعَلُ لَهُ فِي الظُّلْمَةِ نُوراً وَ فِي الْجَهَالَةِ حِلْماً أَكْلَؤُهُ «4» بِعِزَّتِي وَ أَسْتَحْفِظُهُ مَلَائِكَتِي يَدْعُونِي فَأُلَبِّيهِ وَ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيهِ فَمَثَلُ ذَلِكَ الْعَبْدِ عِنْدِي كَمَثَلِ جَنَّاتِ الْفِرْدَوْسِ لَا يُسْبَقُ أَثْمَارُهَا وَ لَا تَتَغَيَّرُ عَنْ حَالِهَا-
 _______
(1). «الواجب» مبتدأ و خبره جملة «أن يوجب على نفسه إلخ».
(2). الضمير يرجع إلى «من وهب اللّه».
(3). و في بعض النسخ [و يواسى الغريب‏]. يقال: واسى الرجل أي آساه و عاونه. (4). كلأ اللّه فلانا: حفظه و حرسه.

يَا ابْنَ جُنْدَبٍ الْإِسْلَامُ عُرْيَانٌ فَلِبَاسُهُ الْحَيَاءُ وَ زِينَتُهُ الْوَقَارُ وَ مُرُوءَتُهُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ وَ عِمَادُهُ الْوَرَعُ وَ لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ أَسَاسٌ وَ أَسَاسُ الْإِسْلَامِ حُبُّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ

يَا ابْنَ جُنْدَبٍ إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى سُوراً مِنْ نُورٍ مَحْفُوفاً بِالزَّبَرْجَدِ وَ الْحَرِيرِ مُنَجَّداً بِالسُّنْدُسِ «1» وَ الدِّيبَاجِ يُضْرَبُ هَذَا السُّورُ بَيْنَ أَوْلِيَائِنَا وَ بَيْنَ أَعْدَائِنَا فَإِذَا غَلَى الدِّمَاغُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَ نُضِجَتِ الْأَكْبَادُ مِنْ طُولِ الْمَوْقِفِ أُدْخِلَ فِي هَذَا السُّورِ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ فَكَانُوا فِي أَمْنِ اللَّهِ وَ حِرْزِهِ لَهُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي الْأَنْفُسُ وَ تَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَ أَعْدَاءُ اللَّهِ قَدْ أَلْجَمَهُمُ الْعَرَقُ وَ قَطَعَهُمُ الْفَرَقُ وَ هُمْ يَنْظُرُونَ إِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ فَيَقُولُونَ ما لَنا لا نَرى‏ رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ «2» فَيَنْظُرُ إِلَيْهِمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ فَيَضْحَكُونَ مِنْهُمْ فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ- أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ «3» وَ قَوْلُهُ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ. عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ «4» فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ مِمَّنْ أَعَانَ مُؤْمِناً مِنْ أَوْلِيَائِنَا بِكَلِمَةٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ.




المصدر:
بحار الأنوار