حَضَرَهُ ذَاتَ يَوْمٍ جَمَاعَةٌ مِنَ الشِّيعَةِ فَوَعَظَهُمْ وَ حَذَّرَهُمْ وَ هُمْ سَاهُونَ لَاهُونَ فَأَغَاظَهُ ذَلِكَ فَأَطْرَقَ مَلِيّاً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيْهِمْ فَقَالَ إِنَّ كَلَامِي لَوْ وَقَعَ طَرَفٌ مِنْهُ فِي قَلْبِ أَحَدِكُمْ لَصَارَ مَيِّتاً أَلَا يَا أَشْبَاحاً بِلَا أَرْوَاحٍ وَ ذُبَاباً بِلَا مِصْبَاحٍ كَأَنَّكُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ «2» وَ أَصْنَامٌ مَرِيدَةٌ أَ لَا تَأْخُذُونَ الذَّهَبَ مِنَ الْحَجَرِ أَ لَا تَقْتَبِسُونَ الضِّيَاءَ مِنَ النُّورِ الْأَزْهَرِ أَ لَا تَأْخُذُونَ اللُّؤْلُؤَ مِنَ الْبَحْرِ خُذُوا الْكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ مِمَّنْ قَالَهَا وَ إِنْ لَمْ يَعْمَلْ بِهَا فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ- الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ «3» وَيْحَكَ يَا مَغْرُورُ أَ لَا تَحْمَدُ مَنْ تُعْطِيهِ فَانِياً وَ يُعْطِيكَ بَاقِياً دِرْهَمٌ يَفْنَى بِعَشَرَةٍ تَبْقَى إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ مُضَاعَفَةٍ مِنْ جَوَادٍ كَرِيمٍ آتَاكَ اللَّهُ عِنْدَ مُكَافَاةٍ «4» هُوَ مُطْعِمُكَ وَ سَاقِيكَ وَ كَاسِيكَ وَ مُعَافِيكَ وَ كَافِيكَ وَ سَاتِرُكَ مِمَّنْ يُرَاعِيكَ مَنْ حَفِظَكَ فِي لَيْلِكَ وَ نَهَارِكَ وَ أَجَابَكَ عِنْدَ اضْطِرَارِكَ وَ عَزَمَ لَكَ عَلَى الرُّشْدِ فِي اخْتِبَارِكَ كَأَنَّكَ قَدْ نَسِيتَ لَيَالِيَ أَوْجَاعِكَ وَ خَوْفِكَ دَعَوْتَهُ فَاسْتَجَابَ لَكَ فَاسْتَوْجَبَ بِجَمِيلِ صَنِيعِهِ الشُّكْرَ فَنَسِيتَهُ فِيمَنْ ذَكَرَ وَ خَالَفْتَهُ فِيمَا أَمَرَ وَيْلَكَ إِنَّمَا أَنْتَ لِصٌّ مِنْ لُصُوصِ الذُّنُوبِ «5» كُلَّمَا عَرَضَتْ لَكَ شَهْوَةٌ أَوِ


______________
(2) شبههم عليه السلام في عدم الانتفاع بهم بالخشب المسندة الى الحائط و الأصنام المنحوتة من الخشب و ان كانت هياكلهم معجبة و ألسنتهم ذلقة. و في بعض النسخ «و اصنام مربذة».
(3) سورة الزمر: 18.
(4) إشارة الى قوله تعالى في سورة البقرة: 261. «مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَ اللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ».
(5) اللصّ- بالكسر-: فعل الشي‏ء في ستر- و منه قيل للسارق: لص. و جمعه لصوص.

ارْتِكَابُ ذَنْبٍ سَارَعْتَ إِلَيْهِ وَ أَقْدَمْتَ بِجَهْلِكَ عَلَيْهِ فَارْتَكَبْتَهُ كَأَنَّكَ لَسْتَ بِعَيْنِ اللَّهِ أَوْ كَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ لَكَ بِالْمِرْصَادِ يَا طَالِبَ الْجَنَّةِ مَا أَطْوَلَ نَوْمَكَ وَ أَكَلَّ مَطِيَّتَكَ وَ أَوْهَى هِمَّتَكَ «1» فَلِلَّهِ أَنْتَ مِنْ طَالِبٍ وَ مَطْلُوبٍ وَ يَا هَارِباً مِنَ النَّارِ مَا أَحَثَّ مَطِيَّتَكَ إِلَيْهَا وَ مَا أَكْسَبَكَ لِمَا يُوقِعُكَ فِيهَا انْظُرُوا إِلَى هَذِهِ الْقُبُورِ سُطُوراً بِأَفْنَاءِ الدُّورِ تَدَانَوْا فِي خِطَطِهِمْ «2» وَ قَرُبُوا فِي مَزَارِهِمْ وَ بَعُدُوا فِي لِقَائِهِمْ عَمَرُوا فَخُرِبُوا وَ أَنِسُوا فَأَوْحَشُوا وَ سَكَنُوا فَأُزْعِجُوا وَ قَطَنُوا فَرَحَلُوا «3» فَمَنْ سَمِعَ بِدَانٍ بَعِيدٍ وَ شَاحِطٍ قَرِيبٍ «4» وَ عَامِرٍ مُخَرِّبٍ وَ آنِسٍ مُوحِشٍ وَ سَاكِنٍ مُزْعَجٍ وَ قَاطِنٍ مُرْحَلٍ غَيْرِ أَهْلِ الْقُبُورِ يَا ابْنَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثِ يَوْمِكَ الَّذِي وُلِدْتَ فِيهِ وَ يَوْمِكَ الَّذِي تَنْزِلُ فِيهِ قَبْرَكَ وَ يَوْمِكَ الَّذِي تَخْرُجُ فِيهِ إِلَى رَبِّكَ فَيَا لَهُ مِنْ يَوْمٍ عَظِيمٍ يَا ذَوِي الْهَيْئَةِ الْمُعْجِبَةِ وَ الْهِيمِ الْمُعْطَنَةِ «5» مَا لِي أَرَى أَجْسَامَكُمْ عَامِرَةً وَ قُلُوبَكُمْ دَامِرَةً أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ عَايَنْتُمْ مَا أَنْتُمْ مُلَاقُوهُ وَ مَا أَنْتُمْ إِلَيْهِ صَائِرُونَ لَقُلْتُمْ- يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَ لا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَ نَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ «6» وَ قَالَ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ ...- وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ «7».

______________
(1) أوهى فلانا: أضعفه و جعله واهيا.
(2) الخطط: جمع خطة- بالكسر-: ما يخيطه الإنسان من الأرض ليعلم أنه قد احتازها ليبنيها دارا. و الأرض التي تنزلها و لم ينزلها نازل قبلك- و بالضم-: الامر و الخصلة.
(3) القاطن: المقيم.
(4) الشاحط: البعيد.
(5) الهيم: الإبل العطاش. العطن- بالتحريك-: وطن الإبل و مبركها حول الماء. و أعطنت الإبل: حبسها عند الماء فبركت بعد الورود. و عطنت الإبل: رويت ثمّ بركت.
(6) سورة الأنعام: 27.
(7) سورة الأنعام: 28.

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏75، ص: 170




المصدر:
بحار الأنوار